الخطبة
الأولى
; ; ; ; ; ; ; ; إنَّ
الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ
أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا
هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه
ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ
الدين، ; ; ; ; أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ
التقوى، عباد الله، إن للمسجد في الشريعة الإسلام مكانة جليلة
وشأن عظيم في حياة المسلم، وقد جاءت النصوص في الكتاب والسنة تعظم المساجد وشأنها
وفضلها:
فأولاً:
هذه المساجد أقيمت لعبادة الله، وذكره جل وعلا، يقول الله جل وعلا: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ
أَحَداً)، عُمار المساجد حسيا ومعنويا أنبياء الله صفوة الخلق وأتباعهم من
أولياء الله الصالحين يقول الله جل وعلا: (وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ويقول الله جل
وعلا: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ
يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ).
ومن
فضائل المساجد: " مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي
الْجَنَّةِ".
ومن
فضائل المسجد: أن قصده والتردد عليه علامة الإيمان يقول صلى الله عليه وسلم:
"إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ
فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ لأن الله يقول: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةََ)".
ومن
فضائل المسجد: أن المتردد في الظلم يعطى نورا يوم القيامة يقول صلى الله عليه
وسلم: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى
الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، والمتردد في
المسجد قد ضمنه الله يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة
في ضمان الله: رجل خرج غزيا في سبيل الله إن شاء غفر له وأدخله الجنة، وإن شاء رده
بما نال من أي غنيمة، ورجل يعمد إلى مسجد من هذه المساجد ليصلي فيها فهو ضامن على
الله إن شاء أدخله الجنة وإن شاء أرجعه بما نال من خير ; وأجر وغنيمة، ورجل دخل البيت فسلم على أهل بيته
فهو ضامن على الله".
ومن
فضائل المساجد: أن المتردد إليها والأتي لها يظله الله يوم القيامة تحت ظله يوم لا
ظل إلا ظله فلما ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ"
ومعنى تعلقه في المساجد: حبه لها وشوقه إليها وحنينه لها أبدا دائما.
أيها المسلم، ومن فضائلها: أن
محمدا صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أول شيء بدأ به بناء مسجده صلى الله
عليه وسلم.
ومن
فضائلها: أن الأمة الإسلامية يأتون هذه المساجد ويقيمون فيها الصلوات الخمس
ويترددون عليها إظهارا لعظمة هذا الدين ورفعا لهذه الشعيرة العظيمة.
أيها المسلم، وإذا تأملت كتاب
الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم رأيت أن الصلاة في المساجد هو واجب إسلامي وأن
أداء المسلم لهذه الصلاة جماعة من واجبات الإسلام، فالصلوات الخمس شرعة لها
الجماعة وشرع الاجتماع في المسجد فخير وظيفة للمسجد هو إقامة الصلوات الخمس جماعة
فيه، هذا هو أهم أعمال المسجد وأعظم وظيفته أن تؤدى فيه الصلوات الخمس في اليوم
والليلة خمس مرات هذا أعظم واجب لهذه المساجد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:
(وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ
فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا
سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) الآية قال العلماء: لو لم تكن
الجماعة واجبة لما أمر بها في ساحة النزاع والقتال ولكن الخوف عذرا في سقوطها،
لكنها فرض عين على المسلم ولهذا أعاد الرد بقوله: (وَلْتَأْتِ
طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) فلو فرض كفاية
لكتفي بالواجب الأول.
ومن
أهميتها: أن الله أمر بها أن تقام جماعة: (وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)، صلوا مع
المصلين وحضروا صلاة المصلين.
ومن
أهم ذلك: ما رواه مالك بن حويرث قال قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فأقمنا
عنده عشرين ليلة وكان رفيق رحيما فلما رأينا شوقنا إلى أهلينا قال: "أذهبوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم الصلاة، وإذا حضرت
الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم".
ومن
أهمية الجماعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بتحريق بيوت المتخلفين عن حضور
الجماعة في المسجد يقول صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ
هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمر رجلا يؤم الناس ثم
أُخَالِفَ إِلَى رجال لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بيوتهم
بالنار".
ومنها
أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل علامة النفاق التخلف عن الجماعة فقال:
"أَثْقَلَ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ
صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَصَلاَةُ الْفَجْرِ"، وكان صلى الله عليه وسلم
يسأل عن أصحابه يقول: "أحاضر فلان، أحاضر فلان"
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان الرجل إذا تخلف عن صلاة العشاء والفجر أسأنا به
الظن أن يكون منافقا.
أيها المسلم، ولصلاة الجماعة
فضائل عديدة وشرف عظيم، فعليك أخي المسلم أن تحافظ على أداء هذه الصلوات جماعة في
المساجد لتنال الثواب العظيم من رب العالمين:
فأولا:
قال ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضاَعَّفُ على صلاة الفرد
في بيته بسبع وَعِشْرِينَ درجة" يعني: إذا صليت صلاتك في المسجد تضاعف
على صلاتك في بيتك أو وحدك سبعا وعشرين درجة وهذا فضل عظيم لا يفوته إلا محروم،
وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة
الرجل في المسجد تضاعف على صلاته في بيته أو في سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه
يتوضأ فأحس الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه للصلاة لم يخطُ خطوة إلا كتب الله
له بها حسنة وحُطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في
مصلاه، اللهم صلي عليه، اللهم أغفر له، اللهم أرحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر
الصلاة"، فضل عظيم خطوة تكتب له بها حسنة، وخطوة تحط عنك بها خطيئة
وأنت في صلاة ما انتظر الصلاة، والملائكة يصلون عليك: "اللهم صلي عليه، اللهم اغفر له، اللهم أرحمه ولا تزال في صلاة
ما انتظر الصلاة، إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ
تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
ومن
فضائلها: أن كلما كثر العدد زاد الفضل يقول صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أفضل مِنْ صَلاَتِهِ
وَحْدَهُ وَصَلاَتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أفضل مِنْ صَلاَتِهِ مَعَ الرَّجُلِ
وَمَا كان أكَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ".
ومن
فضائلها: أن الخطاء للمسجد تحسب لصاحبها خير البقاع عند مسجد النبي صلى الله عليه
وسلم فأراد أبو سلمة أن ينتقل إلى قرب المسجد، فقال: "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم"، أي: ألزموا
دياركم وإن بعدت تكتب لكم آثاركم وحسنات لكم في رجوعكم إلى المسجد وذهابكم إلى
بيوتكم، قال أبي بن كعب رضي الله عنه كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد منه من
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقلت: يا هذا لو أنك اشتريت حمارا تركبه في
الرمضاء والظلماء فذلك أهون لك: فقال: يا أبي والله ما أحب أن يكون بيتي بجوار
مسجد رسول الله، إني أحب أن يكتب ذهابي إلى المسجد ورجعي إلى بيتي، قال صلى الله
عليه وسلم: "أخبره فإن الله قد أتحسب له ذلك كله".
أيها المسلم، ومن فضائل صلاة
الجماعة: انك إذا حافظت عليها كتب لك براءتان براءة من النفاق وبراءة من النار فقد
جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل
يصلي في الجماعة أربعين يوما يدرك التكبيرة الأولى إلا كتب الله له براءتين براءة
من النار وبراءة من النفاق".
أيها المسلم، ترددك للمساجد
خطواتك عديدة وأعمال جليلة يقول صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أَنبئكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا
وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ". قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ
الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ
فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ".
ومن
فضائلها: أن المحافظ عليها يسعى نزل له في دار كرامة الله يقول صلى الله عليه
وسلم: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ في الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ".
ومن
فضائلها: أن صلاة العشاء وصلاة الفجر من حافظ عليها كان كمن قام الليل كله، فأنت
إذا صليت العشاء مع الجماعة وصلاة الفجر مع الجماعة فكأنما أحييت الليل كله.
فيا أخي المسلم، إياك أن يفوتك
هذا الثواب العظيم أو تحرم هذا الثواب العظيم فإنما هي أيام وتنتقل إلى دار كرامة
الله فتجد الأعمال الصالحة مدخرة لك أحوج ما تكون إليه.
أيها المسلم، إن المحافظة على
هذه الجماعة والعناية بها خلق كريم، ومن فوائد صلاة الجماعة:
أن
الإتيان إلى المسجد سبب لزكاة قلبه وطهارة أخلاقه وصلته بربه فهو يأتي هذا المسجد
يجد الراحة واللذة والأونس ينادي ربه ويقف بين يديه مع جماعة المسلمين، تجاب
الدعوات ويحصل الخير الكثير.
ومنها:
تساوي الناس فيما بينهم في الصف الأول فأمير مع صغير مع سيد مع خادم مع كبير مع
فقير مع غني كلهم يقفون بين يدي الله في موقف واحد وبينهم من التفاوت والتفاضل على
قد خشوعهم وعلى قدر ما في قلوبهم من تعظيم الله ومحبته.
ومنها
أيضا: أن أهل الحي يلتقون في هذا المسجد تناسب الأبدان وتتعارف الوجوه وتتصاف
الأيدي وتتألف القلوب وتمحق الذنوب ويغفر الخطايا ويا لها من نعمة.
ومنها
أيضا: الانتظام والطاعة والانقياد وطاعة الأمر ألا وهو الإمام فلا ركوع قبل ركوعه
ولا سجود قبل سجوده ولا انصراف قبل انصرافه: "إنما
جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فركعوا، وإذا سجد
فسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين".
أيها المسلم، فحافظ على هذه
الجماعة ولزمها بارك الله فيك.
أيها المسلم، لو علمت أن سوقا
تجاريا الريال فيه يأتي بسبع وعشرين ريالا أو خمس وعشرين ريالا لسعيت له ليلا
ونهارا فهو قد يكون خبرا صادقا وقد يكون كاذبا وقد يتخلف لسبب ما وأنت في الجماعة
وعد صادق من نبيك صلى الله عليه وسلم: "أن صلاتك في
المسجد أفضل من صلاتك في بيتك بسبع وعشرين درجة"
أو "بخمس وعشرين"، فيا له من
فضل لا يحرم إلا محروم.
فاتقي
الله يا أخي المسلم من نفسك وعزم المسجد وأمر أهلك وخدمك وأبناءك بالمحافظة على
هذه المساجد وإتيانها فإنها فضل عظيم، من اعتادها أو أنفها وفق لها وأشرح فيه قلبه
حبها، فاتقوا الله إخواني وحافظوا على الصلوات الخمس في الجماعة لتنالوا الخير
العظيم والفضل الكبير، وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من
الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر
المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
;
;
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا
فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له،
وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ
تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، ; ; ; ; ; أما
بعدُ:
فيا أيُّها الناس، اتَّقوا اللهَ تعالى
حقَّ التقوى، عباد الله، يقول الله جل وعلا: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ
الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ*
لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
أيها المسلم، كن معي قليل
للتأمل في هذه الآية: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ
تُرْفَعَ) هي المساجد ترفع بناءها ويرفع شأنها ويهتم بها ويعتنى بها (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا
بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ) هؤلاء الرجال ما هم (لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)
يبيعون ويشترون ويتجرون ولكن إذا حان وقت الصلاة أجابوا داعي الله حي على الصلاة،
حي على الفلاح، تركوا ما بأيديهم وأغلقوا حوانيتهم ومتاجرهم وأقبلوا على هذه
المساجد حبا لها ورغبة فيها واشتياق لها وأونسا فيها وطاعة لنبيهم صلى الله عليه
وسلم اقتادا بها وبسلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن سار على طريقهم: (لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)
لم يقل هم يبيعون ويشترون ويتجرون ولكن هذه الدنيا لم تكن صارفة لهم عن إتيان
المساجد ولا قصد المساجد بل يأتون المساجد ويؤدون الجماعة ويعودون إلى بيعهم
وشراءهم.
أيها المسلم، إن المسلمين
أجمعوا على أن الصلاة في المسجد جماعة أفضل وخير عظيم يقول عبدالله بن مسعود رضي
الله عنه: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حين ينادى لهم
فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما
يتصلي المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا
وما يتخلف عن الجماعة في المساجد إلا منافق معلوم النفاق وإنه ليؤتى بالرجل يهادى
بين الرجلين حتى يقام في الصف، هكذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حريصين على
المسجد يهتمون به ويعتنون به والبيع والشراء لا يحول بينهم وبين ذلك، فمن ينادى بأن
البائعين ينبغي أن يصلوا في أماكنهم ومتاجرهم وأسواقهم ويعطلوا المساجد ولا يهتموا
بها هذا كله خطأ وقول باطل فالشرع يدلنا على أن نؤدي هذه الصلوات في هذه المساجد
التي أقمناها لذكر الله ويؤذن المؤذن أوقات الصلوات ونجتمع فيها طاعة لله، ولا
نبغي لنا أن تعدل عنها في أي مكان كان بل ينبغي أن نجعل المساجد هي غاية همنا وأن
نصلي فيها وأن نعد في كل سوق مسجدا كبيرا يتسع للمصلين لا نجعل هذه الصلوات في
أماكن خاصة أو في أسياب خاصة، لا، هي مشاعر دين يجب أن ترفع ويعظم وتظهر لأنها
الشعيرة العظماء للمسلمين أن يوأدوا هذه الصلوات كل يوم وليلة بصدق وإخلاص تتألف
فيه القلوب تجتمع به الكلمة يتعاضى المسلمون يعلم جاهلهم ويبصر عالمهم جاهلهم
ويهدي إلى ما خفي عليه من أحكام هذه الصلاة، فعلينا جميعا أن نتهم بهذه الجماعة
وأن نصلي كل يوم خمس مرات في اليوم والليلة وأن لا ندعها إلا لأمر يحول بينه
وبينها ففي الحديث: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ
يُجِبْ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إلا من عذر" فالعذر ممكن لكن غير المعذور
ينبغي أن يهتم بالجماعة وبالمساجد، أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه
إنه على كل شيء قدير.
واعلموا
رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه
وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين،
فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا
رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه
الراشدين الأئمة المهدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ
نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم
بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ
أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك
الموحدين، وجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب
العالمين، اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمَّ وفقهم
لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا
إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم،
واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما
تصنعون.
;
خطبة
الجمعة 16-03-1435هـ